م محمد مرشد حماد
احتلت مؤخراً أربع شركات كبرى موقع الصدارة في الإقتصاد العالمي وهي تُؤثر في مختلف نواحي الحياة الحديثة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو حتى ثقافية وعلمية ؛ وهذه الشركات هي أمازون وأبل وفيسبوك وغوغل ومن الممكن إضافة ميكروسوفت لهذه الشركات الأربعة .
البشر يظنون بأنهم يعرفون هذه الشركات كلها أو على الأقل بعضاً منها ، لكن هذا الظن لا يغنى من الحق شيئاً ، فحقيقة هذه الشركات الأربع مختلفة كثيراً عن الصورة البراقة الظاهرة للعيان ؛ فالهوية الصحيحة لهذه الشركات العالمية تستند على النهم والسعي الى الهيمنة المالية والاجتماعية والثقافية ، وهذه النتيجة الخطيرة خلص إليها المؤلف الأميركي سكوت غالاواي في كتابه الشهير الأربعة الصادر في عام «2017» ، وقد لخص الكاتب استراتجية كل شركة من الشركات الأربعة والتي أطلق عليها تسمية الفرسان الأربعة كالآتي :
-
أمازون : هي ببساطة أكبر متجر في العالم وقد ركزت على حاجة الإنسان الدائمة للمزيد : أي النهم الاستهلاكي المتزايد مع اختصار وقت المستهلك ، فكل شيء يمكن شراءه في أمازون ، وقد بلغت القيمة السوقية للشركة في عام « 2017 » رقماً هائلاً وهو «433» مليار دولار بينما بلغت القيمة السوقية لثمانية من أكبر المتاجر التقليدية الأمريكية «335.68» مليار وهو أقل من القيمة السوقية لشركة أمازون ، ويعتبر جيف بيزوس مؤسس أمازون والمالك الرئيس فيها من أغنى الأغنياء في العالم مع ايلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تسلا وبيل غايتس مؤسس ميكروسوفت .
-
أبل : نجحت استراتجيتها باستهداف فئة الطبقة الغنية من المستهلكين ؛ لإشباع رغبتهم بالتميز عن الطبقات الفقيرة والوسطى وتعادل قيمة أبل الناتج القومي الإجمالي لبعض الدول الأوروبية وتعتبر أبل حسب كتاب الأربعة آلة نقدية رائعة قادرة على جني الكثير من الأموال لكن القوة الحقيقية لشركة أبل تكمّن في بعدها الرمزي ؛ فإبراز شعار التفاحة على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف المحمول الخاص بك هو كالانخراط في فعل إيماني بسيط ، ولكنه مفهوم للجميع ويعني : أنا متعلم ، مثير ، جذاب وغني وألتزم بقيم الغرب المتطور ، وقد كان ستيف جوبز مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي ، ولا يزال ، في نظر محبيه إنساناً خارقاً حتى بعد موته رغم الانتقادات اللاذعة الموجهة له ؛ فهو حسب الكثيرين لم يقدم شيئاً على الإطلاق للأعمال الخيرية رغم أنه كان فاحش الثراء ، ورفض في المحكمة الإعتراف بأحد أبنائه البيولوجيين ولم يوظف سوى الرجال البيض كموظفين أساسيين في شركته .
-
فيسبوك : طبقت فيسبوك عن غير قصد مقولة ابن خلدون أنَّ الإنسان كائنٌ اجتماعي بفطرته فلقد بُنيت هذه الشركة على مبدأ التواصل وتسويق الإنسان لنفسه اجتماعياً ولإشباع رغبته بالتميز والظهور الإجتماعي المدعوم من غريزة الشهرة كما أنها نجحت في توحيد الرغبات المشتركة وإلغاء الحواجز الجغرافية وأحيانا الزمانية ، وتعتبر فيسبوك إحدى أكثر الشركات نجاحاً في التاريخ الإقتصادي العالمي بناءً على تكرارية استخدامها وسرعة اعتمادها من قبل المستهلكين ومرة أخرى تتحدث الأرقام عن نفسها ، فهناك «7.5» مليار شخص على هذا الكوكب ، ومن بين هؤلاء «1.2» مليار يستخدمون فيسبوك يومياً ، ونادراً ما استطاعت شركة خاصة تحقيق معدل ديمومة ومتابعة عبر التاريخ مثلها ؛ ففي الولايات المتحدة الأميركية ينتمي أكبر تطبيقين للجوّال من حيث عدد المستخدمين إلى مجموعة فيسبوك : إذ يتصدر تطبيق فيسبوك الأساسي اللائحة ويليه فيسبوك مسنجر الذي يحتل المرتبة الثانية ، أما بالنسبة لإنستغرام وهو علامة تجارية أخرى تابعة لمجموعة فيسبوك ويحتل المرتبة الثامنة لتطبيقات الهاتف المحمول في الولايات المتحدة وينمو دائماً باطراد ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشبكة الاجتماعية فيسبوك والشركات التابعة لها تستهلك في المتوسط خمسين دقيقة من اليوم من وقت مستخدميها أي أن دقيقة واحدة من كل ست دقائق على الإنترنت تُقضى على فيسبوك ، وواحدة من كل خمس دقائق على الهاتف المحمول تُكون على فيسبوك أو إحدى علاماته التجارية وهذه الأرقام تقول الكثير عن درجة إدمان المستخدم لأقوى شبكة اجتماعية في العالم ، إضافة لذلك سهل ومّكن فيسبوك وتطبيقاته طبقة الأُمية التقنية من استخدامها بل أصبحوا أهم زبائنها ؛ فواكبوا ثورة الإنترنت التي شعروا حيالها بالدونية وأنهم خارج الحضارة في بدايتها على الأقل ، وأصبحت الإنترنت وثورة الإتصالات في نظر هذه الطبقة هي فيسبوك أو أي موقع تواصل أخر لا أكثر .
-
غوغل : لم تمتلك الشركة استراتجية واضحة في البدء لكن نجاحها ركز على ايجاد أجوبة لتساؤلات الإنسان العديدة من دون اللجوء الى الخبراء وبالاعتماد على محرك البحث غوغل الذي يحتفظ بأكبر كم من المعلومات على وجه الأرض ، ويُعتبر محرك غوغل حسب غالاواي إله الحداثة المعاصر ؛ فهو حسب رأيه كليّ العلم ، كليّ الوجود ، موثوق وحاضر في جميع الأوقات ، ويجيب على كل الأسئلة من الأكثر عمقاً إلى الأقل أهمية ، ومما لا شك فيه أنه لا توجد مؤسسة في تاريخ البشرية تمتعت بهذه الدرجة من التقدير والتعاطف ، وذلك لسبب وجيه ؛ فكل الأسئلة التي تخطر ببالك يمكن أن تسألها لغوغل بدون أدنى تعقيد ، وهناك حقيقة واحدة من الجيد معرفتها عن غوغل : أنها الشركة الأكثر ربحية في العالم ويبلغ عدد مستخدميها ملياري مستخدم (أكثر بقليل من فيسبوك ) ، وقد حققت أرباحاً قدرها «20» مليار دولار في عام «2016» ، مع زيادة حجم المبيعات كل ذلك مع نجاحها في خفض تكاليف المعلنين .
حسب الكاتب بلغت قيمة هذه الشركات الأربع ( أي أمازون ، أبل ، فيسبوك ، غوغل) في البورصة عام « 2017» رقماً خيالياً ومثيراً للإعجاب ( 2,3 تريليون دولار) كما استطاعت تحقيق قفزة نوعية للإقتصاد العالمي حيث وفرت حاسوباً فائقاً عملاقاً لعشرات الملايين من البشر حول العالم ، وساهمت في رسم خريطة مفصلة بدقة للأرض وللمحيطات ومولت الإنترنت للدول النامية وهذه كلها أمور جيدة ، ولكن هناك حقيقة أخرى مظلمة ؛ فهذه الشركات ترفض دفع الضرائب عن أرباحها وبذلك تساهم في زيادة اللامساواة حول العالم كما أنها تُساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في رفع نسب البطالة عالمياً وتُلغي الآلاف من الوظائف نتيجة الإحتكار الذي تمارسه ومع ذلك تُعتبر شركات مواطنة عالمية وأنموذجا ناجحاً للابتكار الاقتصادي .
الإقتصاد القديم والإقتصاد الرقمي الحديث
حسب المؤلف يختلف الإقتصاد القديم عن الإقتصاد الجديد بعدة نقاط أهمها : النشاطات الإقتصادية والثروات التي يخلقها و لكي نفهم مدى الاختلاف يكفي أن نقارن رأسمال بعض الشركات في البورصة بين عامي « 2006و2017» ففي عام «2006 » كانت أكبر خمس رؤوس أموال عالمية أو أكبر خمس شركات في العالم ، على النحو التالي:
الشركة |
إكسون موبيل |
جنرال إلكتريك |
ميكروسوفت |
سيتي جروب |
بنك اوف امريكا |
رأس المال مليار دولار |
540 |
463 |
355 |
331 |
290 |
في عام «2017 » أصبحت أكبر خمس شركات مساهمة في العالم كالأتي :
الشركة |
أبل |
غوغل |
ميكروسوفت |
أمازون |
فيسبوك |
رأس المال مليار دولار |
794 |
593 |
506 |
429 |
414 |
مقال مهم جدا شكرا لك