عزالدين المناصرة
– تنقسم جغرافية فلسطين الأثريّة التاريخية، حسب (زيدان كفافي) إلى الأقسام التالية:
-
1. الساحل، والسهل الساحلي الفلسطي: يتكون من (سهل عكّا)، الذي يمتدّ من رأس الناقورة في الشمال، حتى نهاية منطقة الكرمل في الجنوب. وتعتبر مدينة عكا من أهم المرافئ في هذه المنطقة، ولا تزال مأهولة منذ اقدم العصور. وازدهرت عكّا،خلال الألفين الثالث، والثاني ق.م. ويمثل (خليج حيفا)، الجزء السفلي لسهل عكا. وفي هذه المنطقة عدد من المواقع القديمة، أهمها: (تلّ أبو حوّام)، وله اهمية في العصور البروزنزية، كذلك موقع، (خربة هربج)، الذي كان ميناءً مهماً في العصور الحديدية. ثمَّ يُشكّل (سهل مرج ابن عامر): الممرّ الرئيس، الذي يقطع جبال فلسطين باتجاه غرب – شرق، ليربط بين وادي الأردن، وجبل الكرمل، المتاخم للسهل الساحلي عند حيفا، ويصل بينه وبين سهل عكا، نهر المقطَّع. وتقع في سهل (مرج ابن عامر)، مواقع تاريخية أثرية، مثل (تلّ المُتسلم = مجدّو)، و(تلّ تْعنّكْ)، وجنين، والعفولة، وبيسان. واشتهر المرج بمعاركه في منتصف الألف الثاني ق.م. ثمّ (سهل سارونا)، وهو المنطقة الممتدّة بين نهري الزرقاء شمالاً، وروبين، جنوبي يافا. وفيه مواقع أثرية، مثل: رأس العين، ودور، ويافا، ووادي ربّة، ويازور، والخضيرة، وبني براك. وتعود هذه الآثار إلى فترة العصور الحجرية الحديثة، والنحاسية، والعصر البرونزي الحديث. ثمَّ (السهل الفلسطيني الجنوبي): وتعتبر (غزّة)، أهم مدنه التاريخية، كذلك: أسدود، وعسقلان، وتل الصافي، وخربة المقنع. لقد لاحظ العلماء – والكلام لزيدان كفافي – أن الناس الذين سكنوا هذه المنطقة خلال الألف الرابع ق.م.،كانوا يدفنون موتاهم، داخل صناديق صلصالية، على عكس سكّان المناطق الشرقية، الذين استعملوا القبور العادية والجرار للدفن. وهناك أيضاً: (منطقة السفلة): تحتلُّ هذه المنطقة المساحة الواقعة ما بين الجزء الجنوبي للسهل الساحلي، ومنطقة جبال القدس والخليل. وهي مشهورة بزراعة الزيتون، ومأهولة بالسكان منذ أقدم العصور، ومن أهم مواقعها: جازر (تل أبو شوشة)، و(تل الرميلة)، و(تل الدوير).
-
2. سلسلة الجبال الداخلية: تعتبر سلسلة الجبال الداخلية، امتداداً لسلسلة جبال لبنان، وتنتهي بجبال الخليل جنوباً. وهذه الجبال هي: جبال الجليل، جبال نابلس، جبال القدس والخليل. أما (جبال الجليل)، فتتكون من: جبال الجليل الشمالية، وجبال الجليل الجنوبية. وتضم جبال الجليل والكرمل، مجموعة من الكهوف الصخرية، التي لجأ إليها (الإنسان الأول)، واتخذها مسكناً له منذ العصور الحجرية القديمة، كما في كهوف: الطابون، السخول، والقفزة. وتمثل (جبال نابلس)، موقعاً متوسطاً في سلسلة الجبال الداخلية، وتشمل عدداّ من المواقع الأثرية، منها: تلّ بلاطة (شكيم)، وسبسطية (السامرة)، وتل الفارعة الشمالي (ترزا)، وقد سُكنت منذ العصر الحجري، وذكرت مدينة بلاطة في الوثائق التاريخية المصرية. أمّا – (جبال القدس، والخليل)، فقد نشأت فيها مراكز حضارية مهمة، منذ عصور ما قبل التاريخ، ومثال ذلك: (القدس، وتل النصبة، وجت، وتلّ سيلون، وبيتين، وتل الدوير، وتل أبو شوشة، وتل بيت مِرْسيم)، وغيرها. وتحيط بجبال القدس والخليل من جهتها الشرقية، منحدرات عميقة، وبني على هذه الجبال عددٌ من المدن، مثل: (القدس، بيت لحم، الخليل). وهناك طريق كان يربط ما بين جنوبي فلسطين، وشرق الأردن، ماراً بمدن: أبو شوشة والقدس وأريحا، وعلى هذه الطريق، أقيمت مواقع (دويلات المدن) في الألف الثاني ق.م.، مثل: (الجيب). وهناك مواقع أثرية أخرى، تقع شرقي الخليل، مثل: (كهوف قمران، وعين جدي).
-
3. منطقة بئر السبع، والنقب: تقف بلدة (الظاهرية) الخليلية، كحدٍّ فاصل ما بين المنطقة الجبلية، وصحراء النقب. وإلى الجنوب من بئر السبع، وقبل الوصول إلى المنطقة الصحراوية، نجد أن هناك منطقة جبلية تمتدّ حوالي (90 كم) إلى الشرق والغرب، تتوافر فيها إمكانية الاستقرار والزراعة. ويوجد في منطقة بئر السبع، عدد من الينابيع، التي أُقيمت بالقرب منها، مواقع سكنية هامة في (الألف الرابع ق.م.): ومن بين هذه المواقع: بئر الصفدي، تل أبو مطر، وخربة البيطار. وهناك مواقع أنشئت في (الألف الثالث ق.م.)، مثل: تل عراد. وبقيت هذه المنطقة تؤدي دوراً مهماً في الألف الثاني، والأول ق.م.، ومن أهم مواقع هذه الفترة: (تل الشريعة، تل أبو هريرة، تل جمة، تل الفارعة الجنوبي (شاروحين)، وتل مشاش). ومن أهم الطرق المعروفة في صحراء النقب، الطريق الممتدّة من بيتين شمالي القدس إلى بيت لحم، والخليل، وبئر السبع. ومن ثمّ تتجه غرباً، ليتفرع منها، طريقٌ توصل إلى سيناء، وأخرى تنحرف باتجاه الجنوب الشرقي إلى خليج العقبة، ثم إلى شبه الجزيرة العربية.
-
4. وادي الأردن: وتشمل: (منطقة الحولة، ومنطقة طبرية، وغور الأردن، والبحر الميت، وادي عربة)، فمنطقة (الحولة)، هي المنطقة المحددة بجبل الشيخ شرقاً، ونهر الليطاني شمالاً، وطبريا جنوباً. وكانت قديماً تشكل منطقة حدودية ما بين الدول الآراميَّة الشماليَّة، ودولة (بيت أموري) الآرامية في شمال فلسطين. وتمَّ الكشف عن مواقع أثرية في منطقة الحولة، تعود إلى (الحضارات النطوفية)، ومن المواقع الأثرية فيها: (عين الملاَّحة، آبل القمح، دان (تل القاضي))، أما اهم هذه المواقع، فهو موقع حاصور، (تل القدح)، الذي كان مدينة ضخمة في العصر البرونزي الحديث.
أما في (منطقة طبرية): فيبلغ طول البحيرة (21 كم)، وعرضها (12 كم). وكانت المنطقة حولها مأهولة بالسكان، بسبب خصبها منذ العصور الحجرية. وأهم مواقعها الأثرية: موقع العبيدية، الذي يعود إلى العصر الحجري القديم، كذلك (موقع خربة الكرك)، التي عُرفت بفخّارها المتميّز، وكانت من مدن فلسطين الرئيسة خلال الألف الثالث ق.م. وفي منطقة لقاء نهري الأردن واليرموك إلى الجنوب من بحيرة طبريّة، هناك مواقع أثرية مهمة، مثل: موقع الاقحوانة، الذي يتميز بالحضارة المسمّاة (اليرموكيّة)، وتعود إلى الألف السادس ق.م. أمّا في منطقة (غور الأردن)، التي تمتدُّ مسافة (105 كم) من بحيرة طبريا، وحتى البحر الميت، وعرضها (3 – 5 كم)، باستثناء عرض (18 كم) عند أريحا. وهي (أكثر منطقة انخفاضاً في العالم). وتشير المصادر التاريخية إلى أن منطقة الغور، كانت مأهولة بالسكان، منذ العصر الحجري القديم، وفيها مواقع أثرية مهمة، مثل: (تل الشونة الشمالي، وطبقة فحل، وتل الحيَّات، وتل السعيدية، وتل أبو حامد، وتل المزار، وتل دير علاّ، وأريحا). أمّا في منطقة (البحر الميت)، فقد تمَّ التعرف على مواقع أثرية في الجبال الغربية القريبة من البحر الميت، ومنها: (موقع المربَّعات، وعين جدي، وخربة قمران). أما منطقة (وادي عربة)، فيبلغ طولها (170 كم)، وهو يعتبر المصدر الرئيس لخامات (النحاس) عبر العصور التاريخية المختلفة، وكانت له مراكز في الوادي لاستخراج النحاس، منها: (فينان، وخربة النحاس) في الجهة الشرقية من الوادي، و(تمناع) في الجهة الغربية لوادي عربة – انظر (زيدان كفافي: الموسوعة الفلسطينية).
– يقول (فيليب حِتّي): هناك كهوفٌ في فلسطين، وُجدت فيها، أدواتٌ من (العصر الحجري القديم)، أي أن هذه الأدوات تعود فيها إلى ما يقرب من (150 ألف سنة)، ومنها: كهف جبل الكرمل، وكهف (أُم قطفة)، شمال غربي البحر الميت، وكهف (الزُطيَّة)، شمال عربي بحيرة طبرية. كذلك وُجدت أدوات في مجرى نهر الأردن، جنوبي جسر بنات يعقوب. ويرى (حِتّي)، أن اقدم بقايا الهياكل العظمية، التي تعود إلى أواسط العصر الحجري القديم، هي التي عُثر عليها في كهفين من كهوف جبال الكرمل، وهما: مغارة الطابون، ومغارة السخول، كذلك في كهف (جبل القفزة)، جنوب الناصرة، وآخر في شمال غربي بحيرة طبريا، (مغارة الزُطيَّة)، ويعود عهدها إلى ما قبل (مائة ألف سنة على الأقل). وهي تظهر لنا سلسلة كاملة من بقايا الهياكل العظمية، تتراوح بين النوع النياندرتالي (باسم وادٍ في منطقة الراين)، وبين أنواع أرقى حتى تصل إلى أشكال، تكاد تكون من النوع البشري الحديث. واكتشفت (مغارة الأميرة) قرب طبريا، بقايا الهصر الحجري المتأخر، مثل الهياكل العظمية لحيوانات، مثل: الضبع، والكركدن، والثعلب، والماعز. كذلك بقايا بشرية، وتحتل (الغزلان) مكانة رئيسة بين البقايا الحيوانية. كما اكتشفت في جبل الكرمل، أقدم قِطَع من الفحم، ترجع إلى نحو (150 ألف سنة)، وهناك قِطَع أخرى تشير في تركيبها إلى نماذج السنديان والطرفاء والزيتون والكرمة، وأقدم هذه الاكتشافات، هو اكتشاف (النار). أما في (العصر الحجري الوسيط)، فقد عرف الإنسان، الأدوات الحجرية المصقولة (حوالي 12 ألف، ق.م.). ويقابل هذا العصر في فلسطين، اكتشاف (الحضارة النطوفية)، منذ أول العصر الحجري الوسيط، وحتى الألف السادس ق.م. وقد اكتُشفت في وادي النطوف في شمال غربي القدس في كهف بلدة (شُقْبة)، وفي مغارة الوادي، حيث كان البشر أقصر قامة، وكانوا نحاف الأجساد، لهم رؤوس مستديرة، ويرى البعض أن أفراد هذا العرق، هو الذي انتسب إليه الكنعانيون. أما البقايا الحيوانية، هي للأيل، والضبع المُرقَّط، والقنفذ. أما الصناعة، فتكثر فيها، العظام المشغولة، والمحفورة، ورؤوس السهام التي لها فَرْضَة. وفي هذه المرحلة، تمَّ تدجين الحيوانات (الكلاب والماشية كالماعز والغنم والخنازير، والبقر)، وجدت آثارها في (أريحا)، وترجع إلى الألف السادس قبل الميلاد. وشهد العصر النطوفي، بداية الاستقرار الزراعي. وكان الناس لا يزال أكثرهم من سكّان الكهوف، يجمعون الغذاء، ويستخدمون المناجل الصوانيّة. ويبدو أن المهاجرين الكنعانيين الأوَّلين إلى مصر، أدخلوا معهم القمح، وزراعة الكرمة. فالكلمة التي تعني القمح (gmhw)، كذلك الكلمة التي تعني الكرمة (karmu) في اللغة المصرية القديمة، هي بلا ريب، حسب فيليب حِتّي، مشتقة من اللغة الكنعانية. ثم أصبح الإنسان مع الزراعة، يسكن بيوتاً من الطين، أو اللِبْن. وقد وجدت بقايا المساكن البدائية في أريحا، وترجع إلى نحو (5 آلاف ق.م.)، وظهرت ملكية الأرض. وكان إحدى النتائج الهامة للحياة الاجتماعية، تطوّر اللغة إلى درجة الإتقان، وظهر الاعتقاد الديني بوجود مجموعة من الآلهة. وأقدم الأمثلة المعروفة للفن التشكيلي في فلسطين، هي تلك التقدمات النذرية على شكل صور الحيوانات الداجنة، وُجدت في (أريحا). أما في العصر الحجري الحديث (6000 – 4000 ق.م.)، فقد حصل تقدم محسوس في الزراعة – والكلام لفيليب حتّي – وتربية الحيوانات، واستعمال الأدوات الحجرية المصقولة، والحياة المستقرة. وسرعان ما حلّت (الأواني الخزفية)، محلّ أواني اليقطين، أو الجلد، أو قطع الحجارة والخشب المجوّفة. وظهر الخزف في أريحا، حيث يعتقد (غارستانغ)، أنه اخترع هناك. وقد شهد القسم الأخير من الألف الخامس، (أرفع مرحلة في تاريخ الفن الزخرفي القديم). وفي (العصر النحاسي)، تمَّ اكتشاف (النحاس) في (أدوم)، جنوب، وشرق البحر الميت، حوالي 2000 ق.م.، وأتى البرونز، والحديد بعد ذلك. واشتهرت فلسطين بزراعة الزيتون والعنب والتين والشعير والقمح. وتلت (الحضارة النطوفية)، حضارة أخرى هي (الحضارة الغسولية – السبعاوية)، نسبة إلى بلدة (تليلات الغسول)، شمالي البحر الميت، ومدينة بئر السبع، وقد وجدت نماذج هذه الحضارة في أريحا، ومَجدّو، وبيت شان (بيسان)، ولخيش (تل دوير) – انظر: (فيليب حتّي: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – ص: 7-27).
– أمّا، (مصطفى مراد الدبّاغ)، فيقول بأن العصر الحجري القديم، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من (150 ألف سنة)، شهد الإنسان، الذي يعيش عارياً، مرسل الشَعْر، يأوي للغابات في مرحلة (جمع القوت)، ثمَّ كان اكتشاف النار، انقلاباً من أعظم الانقلابات في تاريخ البشر. وهو يحدد آثار هذا العصر في فلسطين، بما يلي: عثر الباحثون على بقايا هياكل بشرية في (مغارة الزُطيَّة)، حيث وجدت جمجمة، أُطلق عليها اسم (جمجمة طبريا، أو الجليل)، عاش صاحبها قبل نحو: (200 ألف سنة). أما الهياكل العظمية، التي وُجدتْ في كهوف الكرمل والناصرة، فقد كان أصحابها من نوع (الإنسان منتصب القامة)، وقد اتفق الباحثون على أنَّ (إنسان مغارة الطابون) في جبل الكرمل بفلسطين، كان حلقة بين الإنسان البدائي، والإنسان الحالي، وأنه يمكن أن نقارنه أيضاً، بما أُطلق عليه اسم (الإنسان العاقل)، وقد سُمّيَّ هذا الإنسان، إنسان جبل الكرمل، (إنسان فلسطين). وقد عثروا على بقايا آثار وأدوات العصر الحجري القديم، من مقاشط، وفؤوس يدوية، ومحافر، وشفرات سكاكين عظمية في كهوف: الكرمل، أم قَطَفَة، الزطيّة، الأميرة، (ومغارة أبو سيف، شرقي الخليل)، كما عثروا على بلطات يدوية في جنوب جسر بنات يعقوب، كما عثروا على على ناب فيل في مغارة الطابون، كما عثروا على بقايا الفيَلَة، في بيت لحم. كما عثروا على بقايا حيوانات مثل: الوعل الفارسي، والثور الوحشي، وفرس النهر، وعظام الخرتيت (وحيد القرن). ومن أهم الأعمال التي حققها الفلسطيني في العصر الحجري القديم، نشوء النطق لديه، الذي يعدُّ أباً للعقل. ثم أخذ نطقه يتطور، وكانت لغته بسيطة، وليس لدينا وثائق عن هذه (اللغة الفلسطيّة الأولى). ويصل (مصطفى مراد الدباغ) إلى أنَّ (فلسطين كانت من أقدم مواطن الإنسان)، وأنّها كانت (مأهولة بالسكان، منذ نحو، 200 ألف سنة)، ويرى العلماء أنَّ (فلسطين، كانت مهداً للإنسان العاقل، (إنسان المجدل)). أمّا في العصر الحجري الوسيط، (12000 – 6000 ق.م.)، فقد كان عصر تدجين الحيوان، وممارسة الزراعة، واستمر الإنسان في سكن الكهوف والمغاور، وتمكن من صقل وتصغير أدواته الحجرية، كما مارس (صيد السمك) في الأنهار والبحيرات، بل حتى في وادي النطوف، (وادي خريطون، جنوب شرق بيت لحم). ومنذ اعتماد الإنسان على الزراعة، بدأت مرحلة (إنتاج الغذاء). وقد عثر الباحثون على أدوات حجرية مصقولة، وصحون حجرية، وجدت في (وادي المغارة)، كما وجدت هَواوين، ومدقّات من حجر جهنم في (مغارة الكبَّارة)، جنوب الكرمل. ووجدوا مناجل صوانيّة في (مغارة شُقْبة)، ويظهر من هذه الأدوات – يقول الدباغ – أنَّ (الفلسطيين، هم أول من مارس الزراعة في العالم)، حسب الباحث المصري أحمد فخري (دراسات في تاريخ الشرق القديم، 1958). وعثر الباحثون على تمثال وعل أو غزال، منحوت على قطعة من الحجر الكلسي الرمادي اللون، والحيوان، مضطجعٌ وقوائمه مطوية تحت جسمه، وعنقه ممتدّ إلى الأمام، وذلك في (زْويتينة)، جنوب الخليل. أما في (العصر الحجري الحديث) – 6000 – 4000 ق.م.، فقد تقدّم الإنسان في تطوير الآلات، والأدوات الحجرية، وعرف صناعة النسيج والغزل وصناعة الخزف. ومن مدن هذا العصر في فلسطين :
-
1. أريحا: أول مكان في فلسطين، شرع الإنسان يبني فيه البيوت، حيث كان أهلها أول من انتقل من السكن في الكهوف إلى البيوت العادية، وترجع هذه المنازل إلى عام (7000 ق.م.). وأصل كلمة أريحا، هو (يريحو)، أي (مدينة القمر)، وتقع على بعد خمسة كيلومترات، شمالي البحر الميت.
وعثر المنقبون فيها على أسوار قديمة، وخنادق. وبرهنت الحفريات، كما يقول الدباغ، على أنّ: (نشوء الزراعة، وتدجين الحيوان والاستقرار، ظهرت جميعها في أريحا، قبل أن تظهر في العراق القديم، بأكثر من حوالي ألف سنة)، وقال (غارستنغ) بأن اختراع الخزف بدأ في أريحا، وذلك حوالي (5000 ق.م.).
-
2. جازر: ومعناها (شاهق). كانت تقوم على البقعة التي تقوم عليها (قرية أبو شوشة)، في طريق يافا – القدس القديمة. كان سكانها في العصر الحجري الحديث، يحرثون الأرض، ويزرعون العنب والزيتون، ويعصرون ثمارها في معاصر منقورة في الصخور، كما زرعوا التين والشعير والقمح والبصل والثوم والحُمُّص، والفول، والخسّ، وغيرها. وكانوا يصنعون خزفهم بأيديهم، يزينونه بخطوط حمراء وبيضاء، ويضعون موتاهم في جرار وإلى جانبهم، خزف مملوءٌ بالطعام والشراب. وكان الخنزير، الحيوان المفضّل للذبيحة، التي تقدّم إلى آلهتهم.
أما في العصر المعدني (4000 – 3000): فقد بدأ الكنعانيون باستعمال النحاس في نحو (4000 ق.م.)، بعد اكتشافه في سيناء. وعثروا في (تليلات الغسول) على فأس مصنوعة من النحاس، وهي مدينة كانت مزدهرة، قبل عام 3400 ق.م. وعثروا فيها على ملاعق الفخّار وصحون ومغارف. وكانت فيها أبنية للعبادة. ومن مدن فلسطين التي تعود بتاريخها إلى هذا العصر:
-
1. مَجِّدو: اكتُشف فيها: رسوم بشرية وحيوانية على الحجارة، وأقدم أنواع الفخَّار المزيَّن والمنقوش بزخارف كثيرة وملوّنة.
-
2. بيسان: اسمها القديم (بيت شان)، نسبة للإله شان، وتقع على بعد ثمانية كيلومترات، غربي نهر الأردن. وعثر في (تل الحصن) على سلسلة من بقايا مدن قديمة، ترجع إلى (4000 ق.م.).
-
3. لخيش: بمعنى (منيع). كانت تقوم على (تل دوير)، ويقع أمام (قرية القبيبة) في محافظة الخليل، وعلى بعد ثمانية كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من (بيت جبرين). كانت لخيش، أو لاكيش، أو (لاكيس = بني قيس)، حسب كمال الصليبي – حصناً هاماً بين عامي 1600 – 1200 ق.م. ثمَّ بدأ (عصر البرونز)، حوالي (القرن الثاني والثلاثين ق.م. – القرن الثاني عشر ق.م.). وقد اكتشفت آثار عصر البرونز في (جازر، لخيش، (تل العجول)، وهو التل الذي أقيمت عليه غزَّة القديمة). وقد أظهرت نتائج حفريات: (تليلات الغسول، وبئر السبع، ومجِّدو)، بأن سكان فلسطين وسوريا، كانوا يعرفون التعدين، والنحت، والأختام، والحُلي، والتماثيل، والمنازل المزخرفة بالرسوم الملوّنة، وزخرفة الأواني الفخارية، كما يقول (أحمد فخري، 1958). أما في العصر النحاسي – الحجري، فقد اخترعت الكتابة، حوالي 3500 ق.م.. انظر: – (مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، الجزء الأول، ص: 351-371).
يا ليت الإنسان العاقل يظهر مرة أخرى في ديارنا فلقد اشتقنا له و طال غيابه. شيء عظيم إنسان و عاقل؟!! أين نجد هذا اليوم؟!!
زيدوا من هذه المقالات المفيدة فالمؤرخون الغربيون طمسوا أثر الحضارة العربية في فلسطين و جعلوها غير متواجدة في الرأي العام في الغرب. و بدلا من الدعم المالي لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون ببلايين الدولارات لشراء أسلحة لا يستخدمها أحد يجب على أثرياء العرب أن يستثمروا في إعادة سرد و تسويق تاريخنا الحقيقي بمختلف اللغات.